جمعتني الصدفة في بيت قريب لي بشخص لم تكن لي به سابق معرفه، فشرعنا نتذاكر في سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وجرنا الحديث إلى بناته الأربع: زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة. فأنتفض الرجل غاضبا محتجا وقال: إن للنبي ابنة واحدة هي فاطمة الزهراء ولم يكن له غيرها. قلت: كيف ؟ إن عثمان بن عفان قد تزوج اثنتين من بناته، ولذلك كان يسمى بذي النورين. ولكن الرجل أصر على ان النبي لم تكن له إلا بنت واحدة هي فاطمة، وأن الادعاء بغير ذلك هو ادعاء باطل. فوجدنا أنا ومضيفي أن لا جدوى من النقاش مع الرجل وغيرنا مجرى الحديث. وفي مقام آخر ضم طائفة من الزملاء والزميلات في الكلية التي أعمل فيها ورد ذكر النبي وأزواجه، فقلت: أن النبي قد تزوج اكثر من 10 زوجات، وأنه توفي عن 9 منهن، لأن بعضهن قد توفين في حياته. وهنا ثارت ثائرة بعض الحاضرين وخاصة بعض الزميلات لهذه الدعوى(الآثمة). فقد كان في اعتقاد اولئك ان الزواج قد أحل بمثنى وثلاث ورباع لا اكثر، وأن النبي لا يمكن ان يكون قد جمع اكثر من 4 زوجات في وقت واحد. ولم تنفع اية توضيحات من ان العدد المقرر هو لعامة المسلمين وان النبي لم يكن يخضع لذلك التحديد. ومرة ثالثة ثار بعض زملائي، في قسم آخر، عندما سمعوا أنه كان للنبي جارية هي مارية القبطية وطأها بملك اليمين وأنجب منها إبراهيم. ويبدوا أنهم لم يسمعوا بالآية 3 من سورة النساء: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا كما لم يصل الى علمهم بعد، إن اكثر من 30 من أمهات الخلفاء العباسيين من أصل 37 هن من الجواري اللاتي أعتقهن أولادهن (أم ولد). ويقال أن المتوكل العباسي كان له 4 الاف جارية وطأهن جميعا. وظل ملك اليمين قائما حتى العصر الحديث حيث ألغي دولياً. ولا أدري هل ستكون هناك اعتراضات أخرى بعد نشر هذا الكتاب، أم أنها ستكون خاتمة المطاف. يشهد القرآن الكريم في أكثر من آية إن محمداً (ص) وبقية الرسل بشر مثلنا، ولكن بعض الناس لا يعجبهم ذلك. ويريدون نبيهم بمقاييس ومواصفات هم يحددونها، حتى وإن خالف ذلك نص القرآن وسنة الله في خلقه. فالنبي محمد (ص) واحد من البشر، تزوج كما يتزوج الناس. وتعددت زوجاته بحكم التقاليد السائدة والشرائع والأحكام التي أقامها. وعاش مع زوجاته وأولاده وأحفاده حياة اعتيادية بمقاييس زمانه. وكانت مرضية له ولأزواجه والمحيطين به. ولعلها كانت قدوة حسنة للكثيرين. ومن كان لا يعجبه ذلك فهو وشأنه لعله كمن يريد تطبيق المقاييس الحديثة على أحداث الزمن القديم أو يستعملها لتقويم تلك الأحداث. لقد وضع هذا الكتاب بغير تخطيط مسبق، وإنما كرد فعل لتصورات غير دقيقة عن هذا الرسول البشر أو الإنسان. ولكي تكون الصورة كاملة فقد تم استعراض حياته منذ طفولته وصباه حتى الزواج، وأزواجه اللائي بنى بهن ، وأزواجه اللواتي لم يدخل بهن، واللواتي خطبهن ولم يتزوجهن وحياته مع أزواجه. كما جرت محاولة للإجابة عن التساؤل الذي يتردد أحياناً: لماذا تزوج (ص) هذا العدد من الزوجات؟ ولم يكتف بواحد أو اثنتين منهن؟ واستكمالاً للحياة البشرية التي عاشها (ص)، تحدثنا عن جاريتيه: ريحانة القرضية ومارية القبطية، كما أشرنا إلى ما كان يتنازع تلك الحياة الخاصة من غيره وحساسيات بين بعض الزوجات وما اكتنفها من مشاكل. وأخيراً، كان لابد من الإشارة أو الحديث عن بناته وأصهاره وأحفاده، وخاصة فاطمة وأولادها، آخر من بقي من بناته، ومنها كانت ذريته. هذه هي الصورة التي يعرضها هذا الكتاب عن الرسول الكريم (ص) الرسول الإنسان .